القرآن الكريم للجميع » تفسير ابن كثر » سورة الكهف
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) (الكهف) 

وَقَوْله : " حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِب الشَّمْس " أَيْ فَسَلَكَ طَرِيقًا حَتَّى وَصَلَ إِلَى أَقْصَى مَا يُسْلَك فِيهِ مِنْ الْأَرْض مِنْ نَاحِيَة الْمَغْرِب وَهُوَ مَغْرِب الْأَرْض وَأَمَّا الْوُصُول إِلَى مَغْرِب الشَّمْس مِنْ السَّمَاء فَمُتَعَذِّر وَمَا يَذْكُرهُ أَصْحَاب الْقَصَص وَالْأَخْبَار مِنْ أَنَّهُ سَارَ فِي الْأَرْض مُدَّة وَالشَّمْس تَغْرُب مِنْ وَرَائِهِ فَشَيْء لَا حَقِيقَة لَهُ وَأَكْثَر ذَلِكَ مِنْ خُرَافَات أَهْل الْكِتَاب وَاخْتِلَاف زَنَادِقَتهمْ وَكَذِبهمْ وَقَوْله : " وَجَدَهَا تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة " أَيْ رَأَى الشَّمْس فِي مَنْظَره تَغْرُب فِي الْبَحْر الْمُحِيط وَهَذَا شَأْن كُلّ مَنْ اِنْتَهَى إِلَى سَاحِله يَرَاهَا كَأَنَّهَا تَغْرُب فِيهِ وَهِيَ لَا تُفَارِق الْفَلَك الرَّابِع الَّذِي هِيَ مُثْبَتَة فِيهِ لَا تُفَارِقهُ وَالْحَمِئَة مُشْتَقَّة عَلَى إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ مِنْ الْحَمْأَة وَهُوَ الطِّين كَمَا قَالَ تَعَالَى : " إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون " أَيْ طِين أَمْلَس وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنِي يُونُس أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب أَنْبَأَنَا نَافِع بْن أَبِي نُعَيْم سَمِعْت عَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج يَقُول كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول فِي عَيْن حَمِئَة ثُمَّ فَسَّرَهَا ذَات حَمْأَة قَالَ نَافِع : وَسُئِلَ عَنْهَا كَعْب الْأَحْبَار فَقَالَ أَنْتُمْ أَعْلَم بِالْقُرْآنِ مِنِّي وَلَكِنْ أَجِدهَا فِي الْكِتَاب تَغِيب فِي طِينَة سَوْدَاء وَكَذَا رَوَى غَيْر وَاحِد عَنْ اِبْن عَبَّاس وَبِهِ قَالَ مُجَاهِد وَغَيْر وَاحِد. وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن دِينَار عَنْ سَعْد بْن أَوْس عَنْ مِصْدَع عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ حَمِئَة وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَدَهَا تَغْرُب فِي عَيْن حَامِيَة يَعْنِي حَارَّة وَكَذَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَقَالَ اِبْن جَرِير : وَالصَّوَاب أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَأَيّهمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب قُلْت وَلَا مُنَافَاة بَيْن مَعْنَيْهِمَا إِذْ قَدْ تَكُون حَارَّة لِمُجَاوَرَتِهَا وَهَج الشَّمْس عِنْد غُرُوبهَا وَمُلَاقَاتهَا الشُّعَاع بِلَا حَامِل وَحَمِئَة فِي مَاء وَطِين أَسْوَد كَمَا قَالَ كَعْب الْأَحْبَار وَغَيْره وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون أَخْبَرَنَا الْعَوَّام حَدَّثَنِي مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ نَظَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الشَّمْس حِين غَابَتْ فَقَالَ : " فِي نَار اللَّه الْحَامِيَة لَوْلَا مَا يَزَعهَا مِنْ أَمْر اللَّه لَأَحْرَقَتْ مَا عَلَى الْأَرْض " قُلْت وَرَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ يَزِيد بْن هَارُون وَفِي صِحَّة رَفْع هَذَا الْحَدِيث نَظَر وَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَام عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مِنْ زَامِلَتَيْهِ اللَّتَيْنِ وَجَدَهُمَا يَوْم الْيَرْمُوك وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن حَمْزَة حَدَّثَنَا مُحَمَّد يَعْنِي اِبْن بِشْر حَدَّثَنَا عَمْرو بْن مَيْمُون أَنْبَأَنَا اِبْن حَاضِر أَنَّ اِبْن عَبَّاس ذَكَرَ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان قَرَأَ الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْكَهْف " تَغْرُب فِي عَيْن حَامِيَة " قَالَ اِبْن عَبَّاس لِمُعَاوِيَة مَا نَقْرَؤُهَا إِلَّا حَمِئَة فَسَأَلَ مُعَاوِيَة عَبْد اللَّه بْن عَمْرو كَيْف تَقْرَؤُهَا فَقَالَ عَبْد اللَّه كَمَا قَرَأْتهَا قَالَ اِبْن عَبَّاس فَقُلْت لِمُعَاوِيَة فِي بَيْتِي نَزَلَ الْقُرْآن فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْب فَقَالَ لَهُ أَيْنَ تَجِد الشَّمْس تَغْرُب فِي التَّوْرَاة ؟ فَقَالَ لَهُ كَعْب سَلْ أَهْل الْعَرَبِيَّة فَإِنَّهُمْ أَعْلَم بِهَا وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَجِد الشَّمْس تَغْرُب فِي التَّوْرَاة فِي مَاء وَطِين وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَغْرِب قَالَ اِبْن حَاضِر لَوْ أَنِّي عِنْدك أَفَدْتُك بِكَلَامٍ تَزْدَاد فِيهِ بَصِيرَة فِي حَمِئَة قَالَ اِبْن عَبَّاس وَإِذًا مَا هُوَ قُلْت فِيمَا يُؤْثَر مِنْ قَوْل تُبَّع فِيمَا ذَكَرَ بِهِ ذَا الْقَرْنَيْنِ فِي تَخَلُّقه بِالْعِلْمِ وَاتِّبَاعه إِيَّاهُ بَلَغَ الْمَشَارِق وَالْمَغَارِب يَبْتَغِي أَسْبَاب أَمْر مِنْ حَكِيم مُرْشِد فَرَأَى مَغِيب الشَّمْس عِنْد غُرُوبهَا فِي عَيْن ذِي خُلُب وَثَاطٍ حَرْمَد فَقَالَ اِبْن عَبَّاس مَا الْخُلُب قُلْت الطِّين بِكَلَامِهِمْ قَالَ فَمَا الثَّاط قُلْت الْحَمْأَة قَالَ فَمَا الْحَرْمَد قُلْت الْأَسْوَد قَالَ فَدَعَا اِبْن عَبَّاس رَجُلًا أَوْ غُلَامًا فَقَالَ اُكْتُبْ مَا يَقُول هَذَا الرَّجُل وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر بَيْنَا اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ سُورَة الْكَهْف فَقَرَأَ " وَجَدَهَا تَغْرُب فِي عَيْن حَمِئَة " فَقَالَ كَعْب وَاَلَّذِي نَفْس كَعْب بِيَدِهِ مَا سَمِعْت أَحَدًا يَقْرَؤُهَا كَمَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاة غَيْر اِبْن عَبَّاس فَإِنَّا نَجِدهَا فِي التَّوْرَاة تَغْرُب فِي مَدَرَة سَوْدَاء وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيّ حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن أَبِي إِسْرَائِيل حَدَّثَنَا هِشَام بْن يُوسُف قَالَ فِي تَفْسِير اِبْن جُرَيْج " وَوَجَدَ عِنْدهَا قَوْمًا " قَالَ مَدِينَة لَهَا اِثْنَا عَشَر أَلْف بَاب لَوْلَا أَصْوَات أَهْلهَا لَسَمِعَ النَّاس وُجُوب الشَّمْس حِين تَجِب وَقَوْله : " وَوَجَدَ عِنْدهَا قَوْمًا " أَيْ أُمَّة مِنْ الْأُمَم ذَكَرُوا أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّة عَظِيمَة مِنْ بَنِي آدَم وَقَوْله " قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّب وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذ فِيهِمْ حُسْنًا " مَعْنَى هَذَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى مَكَّنَهُ مِنْهُمْ وَحَكَّمَهُ فِيهِمْ وَأَظْفَرَهُ بِهِمْ وَخَيَّرَهُ إِنْ شَاءَ قَتَلَ وَسَبَى وَإِنْ شَاءَ مَنَّ أَوْ فَدَى فَعُرِفَ عَدْله وَإِيمَانه فِيمَا أَبَدَاهُ عَدْله وَبَيَانه .
كتب عشوائيه
- حياة وعقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهابحياة وعقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: رسالة مختصرة ترجَمَت لشيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وبيَّنَت منهجه في نشر العقيدة الصحيحة الموافقة لكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتحذير من الشرك، ومحاربة البدع.
المؤلف : Mahmoud Reda Morad Abu Romaisah
المدقق/المراجع : Muhammad AbdulRaoof
الناشر : A website Islamic Library www.islamicbook.ws
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/330820
- الإله في النصرانية .. ما طبيعته؟الإله في النصرانية .. ما طبيعته؟ : القصد من هذا العمل هو عرض الحقيقة بكل أمانة وصدق.
المؤلف : Naji Ibrahim al-Arfaj
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/60614
- دع الكتاب المقدس يتكلمدع الكتاب المقدس يتكلم: يقول المؤلف في بداية كتابه ما ترجمته: «بعد قراءتي للكتاب المقدس كله بعناية وجدته يشتمل على النصوص التالية: نصوص زائفة تسيء إلى صفات الله تعالى، نصوص زائفة تسيء إلى الأنبياء وتتهمهم زورًا بالزنا وعبادة الأصنام، قصص ماجنة مليئة بالتفاصيل المادية التصويرية، قصص غريبة مثل قصة الشجر التي تدعو إلى إجراء الانتخابات بين الأشجار. لا يزال الكثير لا يدرون شيئًا عن هذه الأشياء، والسبب وراء ذلك يمكن أن يكون: كثرة صفحاته التي تبلغ أكثر من 3000 صفحة مما أدى إلى صعوبة تناوله بالقراءة، وجود عدد كبير من النصارى لا يقرأون الكتاب المقدس ويدَّعون أنه فقط شيء من التراث، طريقة الأساقفة في قرأتهم للكتاب المقدس أمام الناس حيث يقرأون ما يرغبون فقط أن يعرَّفوا الناس به».
المؤلف : Abdur-Rahman Demashqeyyah
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/351184
- دين الحقدين الحق: قال المصنف: « اعلم أيها الإنسان العاقل، أنه لا نجاة ولا سعادة لك في هذه الحياة، وفي الحياة الآخرة بعد الممات إلا إذا عرفت ربك الذي خلقك، وآمنت به وعبدته وحده، وعرفت نبيك الذي بعثه ربك إليك، وإلى جميع الناس، فآمنت به واتبعته، وعرفت دين الحق الذي أمرك به ربك، وآمنت به، وعملت به. وهذا الكتاب الذي بين يديك "دين الحق" فيه البيان لهذه الأمور العظيمة، التي يجب عليك معرفتها والعمل بها، وقد ذكرت في الحاشية ما تحتاج إليه بعض الكلمات والمسائل من زيادة إيضاح، معتمدًا في ذلك كله على كلام الله - تعالى - وأحاديث رسوله - عليه الصلاة والسلام -؛ لأنهما المرجع الوحيد لدين الحق الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه.
المؤلف : Abdurrahman bin Hammad Alomar
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/207075
- رسالة في الفقه الميسررسالة في الفقه الميسر : هذا الكتاب يشتمل على الأحكام الفقهية في العبادات والمعاملات مقرونة بأدلتها الشرعية من الكتاب الكريم والصحيح من السنة النبوية. وكل ذلك في بيان قريب المأخذ، داني المنال، ينأى عن تعقيد وتطويل، لا طاقة لكثير من المسلمين على حله والإفادة منه، ووجازة تيسر للناس فهم أحكام الدين، دونما إخلال أو إضرار بالمادة العلمية المنتقاة.
المؤلف : Saleh Bin Ganim Al-Sadlan
المترجم : Jamaal Zarabozo
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/207459