القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة القصص
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) (القصص) 

يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ جَوَاب قَارُون لِقَوْمِهِ حِين نَصَحُوهُ وَأَرْشَدُوهُ إِلَى الْخَيْر " قَالَ إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم عِنْدِي " أَيْ أَنَا لَا أَفْتَقِر إِلَى مَا تَقُولُونَ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا أَعْطَانِي هَذَا الْمَال لِعِلْمِهِ بِأَنِّي أَسْتَحِقّهُ وَلِمَحَبَّتِهِ لِي فَتَقْدِيره إِنَّمَا أَعْطَيْته لِعِلْمِ اللَّه فِي أَنِّي أَهْل لَهُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان ضُرّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَة مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم " أَيْ عَلَى عِلْم مِنْ اللَّه بِي وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَة مِنَّا مِنْ بَعْد ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي " أَيْ هَذَا أَسْتَحِقّهُ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ أَرَادَ " إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم عِنْدِي " أَيْ أَنَّهُ كَانَ يُعَانِي عِلْم الْكِيمْيَاء وَهَذَا الْقَوْل ضَعِيف لِأَنَّ عِلْم الْكِيمْيَاء فِي نَفْسه عِلْم بَاطِل لِأَنَّ قَلْب الْأَعْيَان لَا يَقْدِر أَحَد عَلَيْهَا إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " يَا أَيّهَا النَّاس ضُرِبَ مَثَل فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اِجْتَمَعُوا لَهُ " وَفِي الصَّحِيح أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَقُول اللَّه وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُق كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّة فَلْيَخْلُقُوا شَعِيرَة " وَهَذَا وَرَدَ فِي الْمُصَوِّرِينَ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّه فِي مُجَرَّد الصُّورَة الظَّاهِرَة أَوْ الشَّكْل فَكَيْف بِمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ يُحِيل مَاهِيَّة هَذِهِ الذَّات إِلَى مَاهِيَّة ذَات أُخْرَى هَذَا زُور وَمُحَال وَجَهْل وَضَلَال وَإِنَّمَا يَقْدِرُونَ عَلَى الصَّبْغ فِي الصُّورَة الظَّاهِرَة وَهِيَ كَذِب وَزَغَل وَتَمْوِيه وَتَرْوِيج أَنَّهُ صَحِيح فِي نَفْس الْأَمْر وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا لَا مَحَالَة وَلَمْ يَثْبُت بِطَرِيقٍ شَرْعِيّ أَنَّهُ صَحَّ مَعَ أَحَد مِنْ النَّاس مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقَة الَّتِي يَتَعَاطَاهَا هَؤُلَاءِ الْجَهَلَة الْفَسَقَة الْأَفَّاكُونَ فَأَمَّا مَا يُجْرِيه اللَّه سُبْحَانه مِنْ خَرْق الْعَوَائِد عَلَى يَدَيْ بَعْض الْأَوْلِيَاء مِنْ قَلْب بَعْض الْأَعْيَان ذَهَبًا أَوْ فِضَّة أَوْ نَحْو ذَلِكَ فَهَذَا أَمْر لَا يُنْكِرهُ مُسْلِم وَلَا يَرُدّهُ مُؤْمِن وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيل الصِّنَاعَات وَإِنَّمَا هَذَا عَنْ مَشِيئَة رَبّ الْأَرْض وَالسَّمَاوَات وَاخْتِيَاره وَفِعْله كَمَا رُوِيَ عَنْ حَيْوَة بْن شُرَيْح الْمِصْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّهُ سَأَلَهُ سَائِل فَلَمْ يَكُنْ عِنْده مَا يُعْطِيه وَرَأَى ضَرُورَته فَأَخَذَ حَصَاة مِنْ الْأَرْض فَأَجَالَهَا فِي كَفّه ثُمَّ أَلْقَاهَا إِلَى ذَلِكَ السَّائِل فَإِذَا هِيَ ذَهَب أَحْمَر . وَالْأَحَادِيث وَالْآثَار فِي هَذَا كَثِيرَة جِدًّا يَطُول ذِكْرهَا وَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّ قَارُون كَانَ يَعْرِف الِاسْم الْأَعْظَم فَدَعَا اللَّه بِهِ فَتَمَوَّلَ بِسَبَبِهِ . وَالصَّحِيح الْمَعْنَى الْأَوَّل وَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى رَادًّا عَلَيْهِ فَمَا اِدَّعَاهُ مِنْ اِعْتِنَاء اللَّه بِهِ فِيمَا أَعْطَاهُ مِنْ الْمَال " أَوَلَمْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْله مِنْ الْقُرُون مَنْ هُوَ أَشَدّ مِنْهُ قُوَّة وَأَكْثَر جَمْعًا " أَيْ قَدْ كَانَ مَنْ هُوَ أَكْثَر مِنْهُ مَالًا وَمَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ مَحَبَّة مِنَّا لَهُ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّه مَعَ ذَلِكَ بِكُفْرِهِمْ وَعَدَم شُكْرهمْ وَلِهَذَا قَالَ " وَلَا يُسْأَل عَنْ ذُنُوبهمْ الْمُجْرِمُونَ " أَيْ لِكَثْرَةِ ذُنُوبهمْ. قَالَ قَتَادَة : " عَلَى عِلْم عِنْدِي " عَلَى خَيْر عِنْدِي وَقَالَ السُّدِّيّ عَلَى عِلْم أَنِّي أَهْل لِذَلِكَ . وَقَدْ أَجَادَ فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة الْإِمَام عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : " قَالَ إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم عِنْدِي " قَالَ لَوْلَا رِضَا اللَّه عَنِّي وَمَعْرِفَته بِفَضْلِي مَا أَعْطَانِي هَذَا الْمَال وَقَرَأَ " أَوَلَمْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْله مِنْ الْقُرُون مَنْ هُوَ أَشَدّ مِنْهُ قُوَّة وَأَكْثَر جَمْعًا " الْآيَة . وَهَكَذَا يَقُول مَنْ قَلَّ عِلْمه إِذَا رَأَى مَنْ وَسَّعَ اللَّه عَلَيْهِ لَوْلَا أَنْ يَسْتَحِقّ ذَلِكَ لَمَا أُعْطِيَ .
كتب عشوائيه
- شهادة الإسلام لا إله إلا اللهشهادة الإسلام لا إله إلا الله: كتاب مبسط فيه شرح لشهادة أن لا إله إلا الله: مكانتها، وفضلها، وحقيقتها، ونفعها، ومعناها، وشروطها، ونواقضها، وغيرها من الأمور المهمة.
المؤلف : محمد جميل زينو
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/1889
- حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلاميةحكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية : كتاب طبع عام 1410هـ قدمه بمقدمة طرح فيها سؤالاً ملحاً عن الجماعات الإسلامية وشرعيتها وحكم الانتماء إليها. هل هي مرفوضة سنداً ومتناً؟ وأنها امتداد للفرق والطوائف التي انشقت عن جماعة المسلمين؟ وقد وضع بين يدي الجواب تمهيداً في سبعة مباحث: الأول: الحزبية في العرب قبيل الإسلام. الثاني: هدي الإسلام أمام هذه الحزبيات. الثالث: لا حزبية في صدر الإسلام وتاريخ ظهورها بعده. الرابع: انشقاق الفرق عن جماعة المسلمين. الخامس: منازل الفرق والمذاهب من جماعة المسلمين. السادس: تساقطها أمام جماعة المسلمين. السابع: جماعة المسلمين أمام المواجهات. ثم شرع في ذكر الجواب بذكر تسعة عشر أصلاً شرعياً ثم تكلم عن مضار الأحزاب وأثارها على جماعة المسلمين فذكر أربعين أثراً ثم خلص إلى المنع من تحزب أي فرقة أو جماعة تحت مظلة الإسلام. وفي ختام الكتاب خلاصة لأبحاث الكتاب.
المؤلف : بكر بن عبد الله أبو زيد
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/79744
- التقليد والإفتاء والاستفتاءالتقليد والإفتاء والاستفتاء: بيان معنى التقليد لغة، ومعناه اصطلاحًا، وأمثلة له، ونتائج من تعريف التقليد وأمثلته، ووجه الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي، والفرق بين التقليد والإتباع، ونبذة تاريخية عن أدوار الفقه ومراحله، ومتى كان دور التقليد؟ ثم بيان أقسامه، وأسبابه ومراحله، ثم بيان أقسام المفتي وما يتعلق به، ثم بيان أقسام المستفتي وبعض المسائل المتعلقة به ... إلخ.
المؤلف : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/1978
- أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دراسة حديثية تاريخية هادفةأبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دراسة حديثية تاريخية هادفة: هو رجل تشرف بصحبة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه فآزره ونصره وساهم مع إخوانه الصحابة في بناء حضارة هذه الأمة ومجدها وتاريخها الذي تفخر به وتباهي الأمم
المؤلف : حارث بن سليمان
الناشر : مركز البحوث في مبرة الآل والأصحاب http://www.almabarrah.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/58134
- الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وجهودها في المملكة العربية السعوديةهذا الكتاب يحتوي على بيان جهود الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية - حرسها الله بالإسلام -.
المؤلف : بدر بن ناصر البدر
الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/116849