القرآن الكريم » تفسير القرطبي » سورة الحشر
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) (الحشر) 
رَوَى اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَرَأَ سُورَة الْحَشْر لَمْ يَبْقَ شَيْء مِنْ الْجَنَّة وَالنَّار وَالْعَرْش وَالْكُرْسِيّ وَالسَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْهَوَامّ وَالرِّيح وَالسَّحَاب وَالطَّيْر وَالدَّوَابّ وَالشَّجَر وَالْجِبَال وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالْمَلَائِكَة إِلَّا صَلَّوْا عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرُوا لَهُ . فَإِنْ مَاتَ مِنْ يَوْمه أَوْ لَيْلَته مَاتَ شَهِيدًا ) . خَرَّجَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَخَرَّجَ الثَّعَالِبِيّ عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ عَنْ أَنَس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَرَأَ آخِر سُورَة الْحَشْر " لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل " [ الْحَشْر : 21 ] - إِلَى آخِرهَا - فَمَاتَ مِنْ لَيْلَته مَاتَ شَهِيدًا ) . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ مَعْقِل بْن يَسَار قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ حِين يُصْبِح ثَلَاث مَرَّات أَعُوذ بِاَللَّهِ السَّمِيع الْعَلِيم مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم وَقَرَأَ ثَلَاث آيَات مِنْ آخِر سُورَة الْحَشْر وَكَّلَ اللَّه بِهِ سَبْعِينَ أَلْف مَلَك يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِي وَإِنْ مَاتَ فِي يَوْمه مَاتَ شَهِيدًا وَمَنْ قَرَأَهَا حِين يُمْسِي فَكَذَلِكَ ) . قَالَ : حَدِيث حَسَن غَرِيب .
" سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض " أَيْ مَجَّدَ اللَّه وَنَزَّهَهُ عَنْ السُّوء . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : صَلَّى لِلَّهِ " مَا فِي السَّمَوَات " مِمَّنْ خَلَقَ مِنْ الْمَلَائِكَة " وَالْأَرْض " مِنْ شَيْء فِيهِ رُوح أَوْ لَا رُوح فِيهِ . وَقِيلَ : هُوَ تَسْبِيح الدَّلَالَة . وَأَنْكَرَ الزَّجَّاج هَذَا وَقَالَ : لَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيح الدَّلَالَة وَظُهُور آثَار الصَّنْعَة لَكَانَتْ مَفْهُومَة , فَلِمَ قَالَ : " وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحهمْ " [ الْإِسْرَاء : 44 ] وَإِنَّمَا هُوَ تَسْبِيح مُقَال . وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُد الْجِبَال يُسَبِّحْنَ " [ الْأَنْبِيَاء : 79 ] فَلَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيح دَلَالَة فَأَيّ تَخْصِيص لِدَاوُدَ ؟ !
قُلْت : وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الصَّحِيح , وَقَدْ مَضَى بَيَانه وَالْقَوْل فِيهِ فِي " الْإِسْرَاء " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ " [ الْإِسْرَاء : 44 ]
مَعْنَاهُ الْمَنِيع الَّذِي لَا يُنَال وَلَا يُغَالَب . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء ; دَلِيله : " وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعْجِزهُ مِنْ شَيْء فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض " . [ فَاطِر : 44 ] . الْكِسَائِيّ : " الْعَزِيز " الْغَالِب ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب " [ ص : 23 ] وَفِي الْمَثَل : { مَنْ عَزَّ بَزَّ } أَيْ مَنْ غَلَبَ سَلَبَ . وَقِيلَ : " الْعَزِيز " الَّذِي لَا مِثْل لَهُ ; بَيَانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " [ الشُّورَى : 11 ] .
مَعْنَاهُ الْحَاكِم , وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة . وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل , صُرِفَ عَنْ مُفْعِل إِلَى فَعِيل , كَمَا صُرِفَ عَنْ مُسْمِع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم , قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَقَالَ قَوْم : الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حَكَمَة اللِّجَام , لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد . قَالَ جَرِير : أَبَنِي حَنِيفَة أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا أَيْ اِمْنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَاد . وَقَالَ زُهَيْر : الْقَائِد الْخَيْل مَكْنُوبًا دَوَابِرهَا قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا الْقِدّ : الْجِلْد . وَالْأَبَق : الْقُنَّب . وَالْعَرَب تَقُول : أَحْكِمْ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا , يُرِيدُونَ مَنْعه . وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل , وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا , وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا , وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا , لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل . وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد . فَهُوَ مُحْكَم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير .
" سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض " أَيْ مَجَّدَ اللَّه وَنَزَّهَهُ عَنْ السُّوء . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : صَلَّى لِلَّهِ " مَا فِي السَّمَوَات " مِمَّنْ خَلَقَ مِنْ الْمَلَائِكَة " وَالْأَرْض " مِنْ شَيْء فِيهِ رُوح أَوْ لَا رُوح فِيهِ . وَقِيلَ : هُوَ تَسْبِيح الدَّلَالَة . وَأَنْكَرَ الزَّجَّاج هَذَا وَقَالَ : لَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيح الدَّلَالَة وَظُهُور آثَار الصَّنْعَة لَكَانَتْ مَفْهُومَة , فَلِمَ قَالَ : " وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحهمْ " [ الْإِسْرَاء : 44 ] وَإِنَّمَا هُوَ تَسْبِيح مُقَال . وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُد الْجِبَال يُسَبِّحْنَ " [ الْأَنْبِيَاء : 79 ] فَلَوْ كَانَ هَذَا تَسْبِيح دَلَالَة فَأَيّ تَخْصِيص لِدَاوُدَ ؟ !
قُلْت : وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الصَّحِيح , وَقَدْ مَضَى بَيَانه وَالْقَوْل فِيهِ فِي " الْإِسْرَاء " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلَّا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ " [ الْإِسْرَاء : 44 ]
مَعْنَاهُ الْمَنِيع الَّذِي لَا يُنَال وَلَا يُغَالَب . وَقَالَ اِبْن كَيْسَان : مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء ; دَلِيله : " وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعْجِزهُ مِنْ شَيْء فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الْأَرْض " . [ فَاطِر : 44 ] . الْكِسَائِيّ : " الْعَزِيز " الْغَالِب ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب " [ ص : 23 ] وَفِي الْمَثَل : { مَنْ عَزَّ بَزَّ } أَيْ مَنْ غَلَبَ سَلَبَ . وَقِيلَ : " الْعَزِيز " الَّذِي لَا مِثْل لَهُ ; بَيَانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء " [ الشُّورَى : 11 ] .
مَعْنَاهُ الْحَاكِم , وَبَيْنهمَا مَزِيد الْمُبَالَغَة . وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِم وَيَجِيء الْحَكِيم عَلَى هَذَا مِنْ صِفَات الْفِعْل , صُرِفَ عَنْ مُفْعِل إِلَى فَعِيل , كَمَا صُرِفَ عَنْ مُسْمِع إِلَى سَمِيع وَمُؤْلِم إِلَى أَلِيم , قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَقَالَ قَوْم : الْمَانِع مِنْ الْفَسَاد , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ حَكَمَة اللِّجَام , لِأَنَّهَا تَمْنَع الْفَرَس مِنْ الْجَرْي وَالذَّهَاب فِي غَيْر قَصْد . قَالَ جَرِير : أَبَنِي حَنِيفَة أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا أَيْ اِمْنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَاد . وَقَالَ زُهَيْر : الْقَائِد الْخَيْل مَكْنُوبًا دَوَابِرهَا قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَات الْقِدّ وَالْأَبَقَا الْقِدّ : الْجِلْد . وَالْأَبَق : الْقُنَّب . وَالْعَرَب تَقُول : أَحْكِمْ الْيَتِيم عَنْ كَذَا وَكَذَا , يُرِيدُونَ مَنْعه . وَالسُّورَة الْمُحْكَمَة : الْمَمْنُوعَة مِنْ التَّغْيِير وَكُلّ التَّبْدِيل , وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا يَخْرُج عَنْهَا , وَيُزَاد عَلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا , وَالْحِكْمَة مِنْ هَذَا , لِأَنَّهَا تَمْنَع صَاحِبهَا مِنْ الْجَهْل . وَيُقَال : أَحْكَمَ الشَّيْء إِذَا أَتْقَنَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوج عَمَّا يُرِيد . فَهُوَ مُحْكَم وَحَكِيم عَلَى التَّكْثِير .
كتب عشوائيه
- نور الهدى وظلمات الضلال في ضوء الكتاب والسنةنور الهدى وظلمات الضلال في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة في «نور الهدى وظلمات الضلالة»، بيّنت فيها بإيجاز نور الإسلام، والإيمان، والتوحيد، والإخلاص، والسُّنّة، والتقوى، كما بيّنت ظلمات الكفر، والشرك، والنفاق، وإرادة الدنيا بعمل الآخرة، والبدعة والمعاصي، وكل ذلك مقروناً بالأدلة من الكتاب الكريم، والسنة المطهرة».
المؤلف : سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الناشر : المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/193644
- الميسر المفيد في علم التجويدالميسر المفيد في علم التجويد: كتابٌ يتناول بالشرح والتعليق قواعد وأحكام علم التجويد على رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية، وقد ضمَّنه المؤلف العديدَ من الجداول التي شملت تعريف معظم مصطلحات علم التجويد، والأمثلة والتمارين المحلولة على كل حكم من أحكام التجويد على حدة، وتمرينًا محلولاً على استخراج أحكام التجويد من سورة البلد كنموذج؛ كونها تشتمل على مختلف أحكام التجويد، وضمَّنه كذلك تنبيهات بشأن الأخطاء الشائعة في تلاوة القرآن الكريم، وألحق بالكتاب ملحقين: أحدهما: فضائل وآداب تلاوة القرآن الكريم، والآخر: مقترحات طرق حفظ القرآن الكريم.
المؤلف : عبد الله عبد القادر حيلوز
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/320902
- علم الأجنة في ضوء القرآن والسنةعلم الأجنة في ضوء القرآن والسنة: هذا الكتاب عبارة عن بحوث أُلقيت في المؤتمر العالمي الأول عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة الذي انعقد في إسلام آباد (1408 هـ - 1987 م)، وتحتوي على: 1- نظرة تاريخية في علم الأجنة. 2- وصف التخلُّق البشري - مرحلة النطفة. 3- وصف التخلُّق البشري - طورا العلقة والمُضغة. 4- وصف التخلُّق البشري - طورا العِظام واللحم. 5- وصف التخلُّق البشري - مرحلة النشأة. 6- أطوار خلق الإنسان في الأيام الأربعين الأولى. 7- وصف التخلُّق البشري بعد اليوم الثاني والأربعين. 8- مصطلحات قرآنية. 9- توافق المعلومات الجنينية مع ما ورد في الآيات القرآنية.
المؤلف : عبد المجيد بن عزيز الزنداني
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/339047
- مختصر تفسير سورة الأنفالرسالة مختصرة تحتوي على خلاصة تفسير سورة الأنفال.
المؤلف : محمد بن عبد الوهاب
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/264185
- الحكمة من إرسال الرسلبين المؤلف - رحمه الله - بعض الدواعي التي تقتضي إرسال الرسل، والحكمة في اختيار الرسل إلى البشر من جنسهم وبلسان أممهم، كما بين منهج الرسل في الدعوة إلى الله، والطريقة المثلى في الدعوة إلى الله.
المؤلف : عبد الرزاق عفيفي
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2429












